قلاقل | هذا الوقت سوف يمضي ..

قلاقل: نصف التارقت !

قلتُ ٥١: أما بعد؛ فهذه خطبتي البتراء، بتراء عليّ بن أبيه، أقولُ فيها:

أيّها الناس، ما أتممت لكم شأناً من دينكم ولا من دنياكم، لكننّي أتممتُ ثلاثين سنة، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما معناه أن أعمار هذه الأمة بين الستين والسبعين، أي بحسبة رياضية سريعة يمكن الجزم بأنّني حققت نصف التارقت الزمني، وهو مؤشر الأداء الأكثر إنجازاً بين كل مؤشرات أدائي، لذا لا عجب أن أهجوكم جميعاً بما هجاكم المتنبي به: “أَبوكُم آدَمٌ سَنَّ المَعاصي • وَعَلَّمَكُم مُفارَقَةَ الجِنانِ”.

أيُّها الناس، قد قُلتُ أنّني سأتوقَّف عن كتابة القلاقل، وأن الحلقة الأخيرة هي آخر قلاقلي، مؤمناً في قرارة نفسي بأن القلاقل جمعٌ يأتي زُرافات، لذا ليس من ضير ولا انتكاس أن أنشر لكم قلقلة فردة، فهي لا تأخذ حكم الزُرافات، ولا سبيل لاعتبارها من الانتكاسات، أعاذنا الله وإياكم من المحرّمات، ومِن كلِّ مَن بالسوء علينا كُنَّ كاشِحات.

أيُّها الناس، إنّني أنا فتى بني ظبيان، الواحد في هذا الزمان، المشهور بالإحسان، المُشار له بالبنان، البالغ البيان، أُحذِّرُني وإيّاكم من نَفْسَيْن: النفس الأمّارة بالسوء، والنفس الأمّارة بالتدقيق، فلا ألفينَّ أحدكم ينشبها لنافلة قول، أو تصرَّف فضول، ويتحجّج بقال ويقول.

أيُّها الناس، إنّني بريء من صديقي الذي ناب عن مديره في اجتماعٍ كان مديره فيه ينوب عن مديرٍ قد أنابه وزير، ثُمَّ لمّا لقيني بعدها قال: يا علي، سأبقى صديقك الذي كنتَ تعرفه في الحارة، مع أنَّني تقلّدتُ الوزارة.

أيُّها الناس، يرفع الله من يشاء رفع منزلته ومرتبته في الدنيا، بالمال أو الجاه أو أيُّ شيءٍ يراهُ الله، والضابط في ذلك حكمته عز وجل، لا حول الإنسان وقوته، ولا علمه، وكلُّ عالمٍ فوقه من هو أعلم منه، وجميعهم ينتهون إلى الله الذي خلقهم، الأعلى العليم، صدق الله العظيم: “نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ”.

أيُّها الناس، أديروا مخاطر شغفكم، فبين نتائج الواقع؛ وبين نتائج التوقعات، تكمن الكثير من الفجوات، وفيها قد يُكثِرُ الإنسان من لوم الذات، أيَّاً كانت المجالات، لذا أحسنوا إلى أنفسكم، واقرؤوا واقعكم؛ كما هو، ولا تكثروا من اللهو، وفي آمالكم اتّقوا الغلو، ولا تفهموا كلامي على أنّه تثبيط عمّا تطمحوا، فالله الله ببذل الأسباب حتّى يُكتب لكم العلو.

أيُّها الناس، لا أدري والله لماذا كتبتُ كُلَّ هذا الكلام، وأصدقكم القول بأنّني توقَّفتُ وراجعتُ نفسي عندما أدركت أن نصف عمري الافتراضي قد انتهى، ومن يعلم؛ ربما لم يُبقِ الله لي من أيامي أكثر مما أفنيت، رزقني الله وإيّاكم حُسنُ الختام، والصلاة على نبيّنا وآله؛ والسلام.

أضف تعليق